التجربة المتميزة للقطاع الحكومي في منطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربي
نستعرض في هذا المقال كيف تطورت الحاجة لأنظمة المراسلات والاتصالات الإدارية في القطاع الحكومي وكيف تختلف وتتقاطع هذه الأنظمة مع ما سبقها من الحلول مثل أنظمة إدارة الوثائق وأنظمة إدارة المحتوى. كما نستطلع أيضاً كيف تتم تلبية هذه الحاجة حالياً والعوامل التي تحدد مميزات هذه الأنظمة وخطط تطويرها.
ويتناول بحثنا على وجه الخصوص منطقة مجلس التعاون الخليجي والتي يمكننا القول بأنها منشأ أنظمة إدارة المراسلات والاتصالات الإدارية بالشكل التي هي عليه الآن والمستخدم الأكبر لمثل هذه الأنظمة.
بدأت مسيرة القطاع الحكومي في هذه المنطقة مع التحول الرقمي منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن بتشييد البنى التحتية اللازمة وحيازة التجهيزات والبرمجيات الأساسية التي تمكن الجهات الحكومية من أتمتة أعمالها بشكلٍ تدريجي ومن ثم تقديم الخدمات الذكية للمواطنين والشركات وغيرها من الجهات المستفيدة. في بداية الأمر كان التركيز على بناء الأنظمة الأساسية التي تؤتمت الإجراءات اليومية وتُلغي أو تُقلل من الحاجة لاستخدام النماذج الورقية. وبالتوازي مع ذلك كانت الجهات الحكومية بحاجة إلى أرشفة سنين طويلة من الملفات الورقية ودمجها مع الإجراءات الجديدة فكانت هناك حاجةٌ ماسةٌ لاستخدام أنظمة الأرشفة وإدارة الوثائق Document Management Systems وكذلك إدارة السجلات Records Management Systems.
وقد حدث ذلك على أعقاب انتقالٍ عالمي في الدول المتقدمة من أنظمة إدارة الوثائق إلى أنظمة إدارة المحتوى المؤسسي Enterprise Content Management (ECM) التي أدركت أهمية وحيوية المحتوى والمعلومات والعامل الزمني المرتبط بها ومكّنت المؤسسات من تحقيق استفادة أكبر في ما يتعلق بإدارة الوثائق. خلق هذا التطور المستمر ارتباكاً لدى المؤسسات الحكومية في المنطقة واستدعى العديد منها إلى استبدال الأنظمة بشكلٍ مستمر، فمنها من كان يستخدم أنظمةً بسيطةً قاصرة عن تحقيق جميع الاحتياجات، ومنها من كان يستخدم أنظمةً متطورةً جداً تزيد عن احتياجاتها وميزانيتها دون تحقيق الفوائد المرجوة.
واستمرت هذه الأنظمة بالتطور والتعقد بشكلٍ لا يتوافق مع احتياجات هذه المنطقة، فعلى سبيل المثال، سعت شركة جارتنر العالمية للأبحاث التقنية للارتقاء بأنظمة إدارة المحتوى إلى منصات خدمات المحتوى Content Services Platform (CSP)، وذلك من منظور الابتعاد عن الأنظمة والمخازن المغلقة والاتجاه نحو البيانات والخدمات المفتوحة، وغيرت مسمى المربع السحري الخاص بهذه الأنظمة من إدارة المحتوى إلى منصات خدمات المحتوى بدءاً من العام 2017. وقد تبنت بالفعل كبرى الشركات المصنعة هذا المسمى الجديد وغيرت من خططها التطويرية لمواكبة هذا التوجه.
أدركت حكومات منطقة مجلس التعاون لدول الخليج بشكلٍ واضح أنها بحاجة إلى إيجاد حلولٍ وتطوير أنظمة خاصةٍ بها تواكب احتياجاتها الخاصة عوضاً عن اللحاق المستمر بنماذج عالمية قد لا تلائم بيئتها ومستلزماتها.
تتميز اقتصادات هذه المنطقة (والتي تشكل مجتمعةً خامس أكبر اقتصاد في العالم) بأن معظمها اقتصاداتٌ ناشئة تعتمد بشكلٍ كبير على الموارد الأولية والتجارة والخدمات، كما تتميز هذه الدول بوجود عمالة خارجية كبيرة وتبادلٍ اقتصاديٍ كبيرٍ مع الخارج وغيرها من العوامل المميزة. أما القطاع الحكومي في هذه الدول فيتميز بحداثة العهد والتغير المستمر والمتسارع لمواكبة النمو الاقتصادي والسكاني وهذا ما يضع عليها أعباءاً إداريةً وتنظيميةً كبيرة لمتابعة مختلف المشاريع والمبادرات وإدارة الموارد والميزانيات بشكلٍ فعال. يترجم هذا العبء الإداري إلى كمٍّ هائل من التنسيق والاجتماعات والمراسلات والاتصالات بين مختلف الجهات الحكومية وكذلك داخلياً بين أقسامها.
لم تجد هذه الجهات الحكومية في الأنظمة العالمية لإدارة الوثائق وما تبعها من أنظمة إدارة المحتوى وحتى أنظمة ما يسمى بأتمتة البريد Mailroom Automation ما يلبي احتياجاتها بشكل فعّال فيما يتعلق بإدارة المراسلات والاتصالات الإدارية، فما كان منها إلا أن طورتها بنفسها حيث عملت إدارات تقنية المعلومات في مختلف هذه الجهات على بناء حلولٍ متكاملة من الصفر لاحتياجاتها أو تطويرها كإضافات على أنظمة إدارة المحتوى المتوفرة.
بعد بضع سنوات اكتشفت الشركات العالمية هذا التوجه ولكن لم يكن لديها حلاً جاهزاً له، لا بل لم يكن لديها تصنيفاً له. بعضها لم يرى فيه سوى بروتوكولات ومفاهيم متقادمة (مثل الصادر والوارد) يجب استبدالها بأساليب أحدث. حتى شركات الأبحاث العالمية لم يكن لديها تصنيفٌ واضحٌ لمثل هذه الأنظمة، هل هي أنظمة لإدارة القضايا Case Management أو لأتمتة إجراءات الأعمال Business Process Management أو لإدارة المحتوى أو لإدارة الوثائق أو لإدارة التواصل مع العملاء Customer Communication Management أو جميعها معاً؟ وبسبب غياب التصنيف والفهم الواضح لمستخدمي هذه الأنظمة (الجهات الحكومية في هذه المنطقة) لم يكن لدى أي من الشركات العالمية أي مقترح أو إفادة فيما يتعلق بخطط تطوير هذه الأنظمة. معظم الأنظمة المستخدمة حالياً من قبل الجهات الحكومية هنا هي أنظمة طُوِّرت محلياً ووفقاً لاحتياجات محددة ومن ثم تحولت إلى منتجات متكاملة يمكن لأكثر من جهة استخدامها.
وللمرة الأولى سعت الشركات العالمية إلى دخول هذا السوق (بعد أن أدركت حجم الفرصة) من خلال الشراكات مع المطورين المحليين أو عمليات الدمج والاستحواذ أو تطوير حلولٍ جديدة وليس من خلال طرح منتجاتها العالمية، ونحن نعتقد بأن هذا حدثٌ مميز وتجربةٌ تستحق المزيد من البحث.
نحن في شركة أنظمة الرؤية الجديدة إن في إس سوفت من أوائل الشركات التي عملت على أنظمة إدارة المراسلات والاتصالات الإدارية حيث طورنا نظام تراسل، وهو منصة للتعاون الذكي تجمع خمسة مكونات رئيسية تلبي الاحتياجات المحددة للقطاع الحكومي في المنطقة ألا وهي المراسلات والاجتماعات والمهام وإدارة سير العمل وأخيراً الأرشفة. وقد نجحنا في تطبيق نظام تراسل في العديد من الجهات الحكومية في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وعمان، ونعمل على تطوير النظام بشكلٍ مستمر ليواكب هذا التوجه الرائد.