هل تتذكرون كليپي؟
إذا كنتم تستخدمون الحاسوب منذ فترة طويلة فإنكم على الأرجح تتذكرون كليپي، المساعد اللطيف الذي كان يرفق مع مايكروسوفت أوفيس من الإصدار 97 وحتى 2003، والذي كان من المفترض أن يساعدكم في إنجاز المهام بشكلٍ أفضل وأسرع من خلال التنبؤ بما تحاولون القيام به وفهم استفساراتكم. وكان هذا في وقتٍ كان فيه الذكاء الاصطناعي متطوراً بما يكفي لهزيمة بطل العالم في الشطرنج (حاسوب ديپ بلو من شركة آي بي إم هزم غاري كاسپاروڤ في العام 1997) ولكن لم تتوفر تقنياته بشكل تجاري ولم يكن متاحاً لعامة المستخدمين. لذلك كان على كليپي الاعتماد على أساليب بدائية مثل خوارزميات بايز ليتمكن من تقديم النصائح والمعلومات للمستخدمين، وأما النتيجة فكانت كارثية. وُصف مشبك الورق الذكي بأنه فشلٌ ذريع وتسبب في ردود فعل سلبية أكثر منها إيجابية. إلا أن مبتكري كليپي في شركة مايكروسوفت كانت لديهم رؤية منطقية، فالعمل مع المستندات هو مجال ممتاز للاستفادة من الأتمتة والذكاء الاصطناعي. يا ترى إلى أي مدى وصلنا في هذا المجال منذ ذلك الوقت؟
تاريخ استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الوثائق
يمكن إرجاع الحاجة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الوثائق إلى الأيام الأولى لظهور الماسحات الضوئية للوثائق ورقمنة المستندات الورقية، حيث احتاج المستخدمون آنذاك إلى طريقة سهلة لفهرسة وتصنيف أعداد كبيرة من المستندات الممسوحة ضوئياً. وهكذا، كان أحد أقدم أشكال الذكاء الاصطناعي في إدارة الوثائق هو استخدام التعرّف الضوئي على الأحرف لقراءة محتوى المستندات. واستخدمت تقنية التعرّف الضوئي على الأحرف مصنفات الشبكة العصبية ذات المستقبلات متعددة الطبقات للتعرف على الأحرف حسب الشكل، وكانت البرمجيات الذكية قابلة للتدريب والتحسين بسهولة لتتعرّف على مختلف الأبجديات وأنواع الخطوط، وكانت كذلك قادرة على فهم خط اليد، وإن كان ذلك بدقة أقل.
ومنذ ذلك الحين، تم استخدام الذكاء الاصطناعي في أنظمة إدارة الوثائق بشكلٍ متزايد لأتمتة وتحسين العديد من وظائفها، وأصبحت قادرة على تحديد الوثائق المهيكلة واستخراج البيانات الوصفية الخاصة بها، كما أنها أصبحت قادرة على تحسين دقة وذكاء محركات البحث. وتوسع مؤخراً استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الوثائق ليشمل إمكانات متقدمة مثل توليد رؤى وتنبؤات مفيدة قائمة على تحليل البيانات والمحتوى.
حالات استخدام شائعة للذكاء الاصطناعي في إدارة الوثائق
فيما يلي بعض من أهم استخدامات الذكاء الاصطناعي وأكثرها فاعلية في مجال إدارة الوثائق:
- الاستخراج الآلي للبيانات: استخدام الذكاء الاصطناعي لاستخراج البيانات الوصفية والمحتوى من الوثائق. ويتضمن ذلك التعرّف الضوئي على الحروف، والتعرف الذكي على النماذج للمستندات المهيكلة (مثل الفواتير والاستمارات) والمعالجة الذكية للوثائق غير المهيكلة (مثل العقود والمخطوطات).
- التصنيف الآلي للوثائق: استخدام الذكاء الاصطناعي لتصنيف الوثائق حسب نوعها أو محتواها، مما يسمح بتنظيمها واسترجاعها بكفاءة أكبر.
- البحث الذكي: استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين وظيفة البحث داخل نظام إدارة الوثائق، مما يسمح للمستخدمين بالعثور على الوثائق ذات الصلة بسرعة ودقة أكبر.
- التحليلات التنبؤية: استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات التاريخية والتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية، مما يساعد المؤسسات على اتخاذ قرارات مستنيرة.
- معالجة اللغة الطبيعية: استخدام الذكاء الاصطناعي لفهم وتفسير اللغة البشرية الموجودة في محتوى الوثائق من أجل تقديم رؤى واقتراحات قيّمة يمكن الاستفادة منها في تحسين نتائج الأعمال.
فوائد استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الوثائق
نحن بالكاد بدأنا الاستفادة من الإمكانات الهائلة التي يتيحها استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الوثائق، ومع ذلك فإن المنافع الاقتصادية لاستخدامه لا تقدر بثمن، وهناك العديد من الصناعات والشركات التي تستفيد من ذلك بالفعل. تتضمن بعض الأمثلة ما يلي:
- الشركات القانونية: تستخدم الكثير من الشركات القانونية الذكاء الاصطناعي لأتمتة عملية مراجعة المستندات القانونية وتحليلها، مما يوفر الوقت للمحامين للتركيز على المهام الأكثر أهمية.
- مؤسسات الرعاية الصحية: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي ونماذج البيانات الضخمة لاستخراج البيانات من السجلات الطبية والوثائق الأخرى، مما يسمح لمؤسسات الرعاية الصحية بتتبع وتحليل بيانات المرضى بسهولة أكبر، وتوفير رؤى قيّمة يمكن الاستفادة منها لتحسين علاجات المرضى ونتائجها.
- المؤسسات المالية: تستخدم المؤسسات المالية الذكاء الاصطناعي لأتمتة مهام مثل إدخال البيانات وتصنيف المستندات، وبالتالي تحسين كفاءة عملياتها وتقليل مخاطر الأخطاء.
- المؤسسات الحكومية: تستخدم المؤسسات الحكومية الذكاء الاصطناعي لأتمتة معالجة الوثائق مثل الإقرارات الضريبية، والحالات الاجتماعية، وطلبات المزايا، وتحسين سرعة ودقة خدماتها.
كيف سيبدو المستقبل
بالعودة إلى صديقنا كليپي ولماذا نعتقد أن نموذج المساعد الذكي سيعود بقوة إلى عالم حلول أماكن العمل الرقمية، بما في ذلك أنظمة إدارة الوثائق والتعاون. أحدثت التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي ونماذج اللغات مثل جي پي تي 3 تقدماً كبيراً في مجال معالجة اللغات الطبيعية وقدرة الحاسوب على فهم اللغة البشرية والاستجابة بمدخلات مفيدة بطريقة طبيعية وحدسية. ونعتقد بأن أنظمة إنشاء وإدارة الوثائق والتعاون ستبدأ في إنشاء طبقة من المساعدة الذكية تساعد المستخدمين على تحقيق أفضل استفادة من وثائقهم الحالية والمعلومات التي تحتويها، مما يساعد المؤسسات على إنشاء عقل جماعي قادر على تحسين النتائج ودفع عجلة النمو.